
كان أبي في نحو الأربعين حينما كنت أنا أحبو نحو العاشرة كنت أراه شخصا كبيرا حتي أنني لم أكن أتخيل أنني سأبلغ يوما ما بلغ من السن و التجربة و الحكمة العتيدة و كنت أصبو الي ذلك . اذا تكلم ابي كان صوته في أذني أحيانا يبدو مثل هدير الريح من خلف الاشجار و اذا رفعت رأسي لاحادثه كان يبدو شاهقا كالنخلة و كانت ذراعاه حين تحتويانني كأنهما أعظم رافعة بشرية علي الاطلاق .. كنت شغوفا بالحياة من حولي و اطمح ان أكبر في السن مثل والدي حتي أتصرف مثل رجل لا تفرض عليه الوصاية من قبل الاخرين أخرج من المنزل في اي وقت شئت مثل أبي أخلد للنوم و أصحو متي ما اردت ذلك لا أن يجبرني الاخرون علي النوم مبكرا و الاستيقاظ مبكرا حتي أهرع الي المدرسة كنت أريد أن أكبر مثل أبي حتي أتخلص من اعباء الدراسة و أن أمضغ التبغ و أنفث دخان السجائر مثل الكبار و أن أرتدي العمامة و المركوب و انا أختلف الي مناسبات الاعراس و الماتم جالسا مثل بقية الكبار في صدر المجالس و أن أصاحب ما شئت من الناس و أحب من شئت و ألعن من شئت أن أقود السيارة مثل أبي و ان يطير لي شارب أنيق مثل أبي . كنت أحب أن أكبر مثل أبي حتي يصير لي صوتا خشنا أجشا مثل صوته و شاربا أنيقا كشاربه و أن أسبح في النهر أو أتسلق أعالي النخل دون أن يزجرني أحد من الناس .. كانت أرادة الحياة و قوتها و عنفوانها و أنا في تلك السن الصغيرة تتعلق بما حازه أبي من العمر و السنوات و لم أكن أفكر أبدا أنني حين أصير الي ما صار اليه من العمر أنني سأحن الي طفولتي و الي أبي الذي فارق الحياة منذ نحو ربع قرن من الزمان .. لقد كبرت بعدك يا أبي .صرت الان في الاربعين تماما و لكنني سئمت الحياة بعدك.. كم أود أن أصير طفلا الان يا أبتي !